أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 محرم 1445هـ ، الموافق 26 يوليو 2024م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 يوليو 2024م بصيغة word بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 يوليو 2024م بصيغة pdf بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 يوليو 2024م بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق.

 

أولًااللهَ اللهَ في قضيةِ الأرزاقِ!!!

ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أعظمِ أسبابِ الرزقِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: عقوبةُ قطعِ الأرحامِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 يوليو 2024م بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق : كما يلي:

مِن أسبابِ الرزقِ الخفيِّ صلةُ الرحمِ بابٌ عظيمٌ مِن أبوابِ الرزقِ

د. محمد حرز بتاريخ: 20 من المحرم 1446هــ–  26 يوليو2024م

الحمدُ للهِ الملكِ الخلّاقِ، الكريمِ الرزاقِ، يبسطُ يدَهُ بالرزقِ لِمَن يشاءُ مِن عبادِهِ ويقدرُ، ويمتحنُهُم بالأموالِ فيغنِي ويفقرُ، وهو العزيزُ الحكيمُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[سبأ: 36]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القائلُ كمَا في حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَ -رضي اللهُ عنهما- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ  قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»، فاللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوَى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102). أيُّها الأخيارُ (من أسبابِ الرزقِ الخفيِّ صلةُ الرحمِ بابٌ عظيمٌ مِن أبوابِ الرزقِ)، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

 عناصرُ اللقاءِ :

أولًااللهَ اللهَ في قضيةِ الأرزاقِ!!!

ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أعظمِ أسبابِ الرزقِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: عقوبةُ قطعِ الأرحامِ.

أيُّها السادةُ:  ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن صلةِ الرحمِ مِن أسبابِ الرزقِ الخفيِّ، وخاصةً وقضيةُ الرزقِ مهمةٌ للغايةِ وتشغلُ بالَ جميعِ الناسِ، وخاصةً والرزقُ ليسَ مالًا فحسب كما يعتقدُ الكثيرونَ مِن الناسِ بل هناكَ رزقٌ خفيٌّ لا يعلمُهُ إلّا اللهُ جلَّ وعلا ، وخاصةً والرزقُ رزقانِ رزقٌ تسعَى إليهِ، ورزقٌ يسعَى هو إليكَ، رزقٌ إيجابيٌّ ورزقٌ سلبيٌّ بدفعِ الضرِّ عنكَ وأنت لا تدرِي، رزقٌ عامٌّ ورزقٌ خاصٌ، وخاصةً وأنَّ مِنْ أَعْظَمِ الهُمُومِ التي تُسَيْطِرُ عَلَيْنَا هَمَّ الرِّزْقِ، وَالبَحْثَ عَنْ لُقْمَةِ العَيْشِ أغنانَا اللهُ وإيَّاكُم مِن فضلِهِ …. وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا قُطعَتْ فيهِ الأرحامُ بينَ الناسِ لتشكِي حالَهَا إلى الكبيرِ المتعالِ. وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا تجدُ الرجلَ لا يعرفُ أقاربَهُ ولا أرحامَهُ ، وما أكثرُ قطعِ الرحمِ في هذه الأيامِ التي تدابرَ وتخاصمَ فيها المسلمون إلّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلا مع أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ كمَا في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ) رواه الترمذي.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق

أولًا: اللهَ اللهَ في قضيةِ الأرزاقِ!!!

أيُّها السادةُ: لقد قدَّرَ اللهُ المقاديرَ، وكتَبَ الآجالَ، وقسَّمَ الأرزاقَ، وكتَبَ على كلِّ واحدٍ حظَّهُ مِن السعادةِ والشقاءِ، ونصيبَهُ مِن النِّعمِ والسراءِ، والبأساءِ والضراءِ، فمَن رضيَ فلَهُ الرضَا، ومَن سخطَ فلَهُ السخطُ، وكلُّ شيءٍ بقدرٍ، وكيفَ لا؟ واللهُ جلَّ وعلا  كتبَ أرزاقَ العبادِ وهُم في عالَمِ الأرحامِ في بطونِ أمهاتِهِم،  فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضي اللهُ تعالى عنه- قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ وهو الصادقُ المصدوقُ: إنَّ أحدَكُم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا ، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك ، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك ، ثم يُرسلُ اللهُ تعالى إليه الملكَ فينفخُ فيه الروحَ، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ : رزقُه و أجلُه و عملُه و شقيٌّ أم سعيدٌ)(متفق عليه(، وكيفَ لا؟ واللهُ جلَّ وعلا قد تكفَّلَ بالأرزاقِ كلِّهَا للبَرِّ والفاجرِ، والمؤمنِ والكافرِ، نعمةٌ ورحمةٌ يتفضلُ بهَا اللهُ على الخلقِ أجمعين، قالَ جلَّ وعلا:  (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 – 58]، وقالَ جلَّ وعلا: )وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هُودٍ( 6]، فيرزقُ الجنينَ في بطنِ أُمّهِ، والحيتانَ في البحرِ، والحياتِ في الوكرِ، وما خلَقَ اللهُ خَلْقًا فضيَّعَهُم سبحانَهُ جلَّ جلالُهُ وتقدستْ أسماؤُهُ، حتى ولو فَرَّ عبدٌ مِن رزقِهِ لَأَدْرَكَهُ الرزقُ أينمَا كان، قالَ جلَّ وعلا: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)[الْعَنْكَبُوتِ: 62(، وكيفَ لا؟ وحبلُ الرزقُ حبلٌ ممدودٌ بينَ السماءِ والأرضِ، قالَ جلَّ وعلا: ( وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[الذاريات: 22). فالرزقُ بيدِ اللهِ جلَّ وعلا وحدَهُ فلا يُطلَبُ مِن غيرِهِ، قالَ جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}. [فاطر: 3] لذا قال النبيُّ ﷺ لابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما،: (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ )). وكيفَ لا؟والأرزاقُ محتومةٌ معلومةٌ، فالرزقُ يطلبُ العبدَ كمَا يطلبُهُ الأجلُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي اللهُ عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ))،  واعلمْ أنَّ ما عندَ اللهِ لا يُنَالُ إلَّا بطاعتِهِ، فإيَّاكَ أنْ تطلبَ الرزقَ بمعصيةِ اللهِ إيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ إنْ تأخرَ الرزقُ أنْ تطبلَهُ بالحرامِ وبمَا يغضبُ اللهَ فتهلكَ فتخسرَ فتندمَ فتكونَ مِن  الخاسرين، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)، ومَن استعجلَ الرزقَ بالحرامِ مُنِعَ الحلالَ، رُوِي عن عليٍّ رضي اللهُ عنهُ أنَّهُ دخلَ مسجدَ الكوفةِ فأعطَى غلامًا دابتَهُ حتى يصلِّي، فلمَّا فرغَ مِن صلاتِهِ أخرجَ دينارًا ليعطيَهُ الغلامَ، فوجدَهُ قد أخذَ خطامَ الدابةِ وانصرفَ، فأرسلَ رجلًا ليشترِي لهُ خطامًا بدينارٍ، فاشترَى لهُ الخطامَ، ثمَّ أتَى فلمَّا رآهُ عليٌّ رضي اللهُ عنه، قال سبحانَ الله! إنَّهُ خطامُ دابتِي، فقالَ الرجلُ: اشتريتُهُ مِن غلامٍ بدينارٍ، فقال عليٌّ رضي اللهُ عنه: سبحانَ الله! أردتُ أنْ أعطهِ إيَّاهُ حلالًا، فأبَى إلَّا أنْ يأخذَهُ حرامًا!. وللهِ درُّ الشافعِي:

جمعَ الحرامَ على الحلالِ ليكثرَهُ .. دخلَ الحرامُ على الحلالِ فبعثرَهُ

وكنْ على يقينٍ  أنَّ العطاءَ مِن اللهِ  ليس علامةً على  الرضَا وأنَّ المنعَ  ليسَ علامةً على السخطِ، فالمنعُ والعطاءُ قد يكونُ ابتلاءً مِن اللهِ وأنتَ لا تدرِي وقد يكونُ تفضيلًا مِن اللهِ وأنتَ لا تدرِي، قالَ جلَّ وعلا: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل: 71]. !! وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ  رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ (الإيمان) إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ)، وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}. فاللهُ سبحانَهُ تكفلَ للخلقِ بالرزقِ مهمَا كانُوا وأينمَا كانُوا، مسلمينَ أو كافرينَ، كبارًا أو صغارًا، رجالًا أو نساءً، إنسًا وجنًّا، طيرًا وحيوانًا، قويًّا وضعيفًا، عظيمًا وحقيرًا؛ قال جلَّ وعلا: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} ( هود: 6)، وقالَ جلَّ وعلا: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}[الإسراء:21]، لذا لمَّا أمرنَا اللهُ بالعبادةِ أمرنَا بالسعيِ إليهَا، ولمَّا أمرنَا بالبحثِ عن الرزقِ أمرنَا بالمشيِ إليهِ، قالَ جلَّ وعلا: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة: 9 وقالَ جلَّ وعلا: ) {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] مشَي للرزقِ وسعَي للعبادةِ، بخلافِ ما عليهِ المتكالبينَ اليومَ على الدنيَا مِن السعيِ لهَا والمشيِ و القعودِ  والتكاسلِ عن العبادةِ والطاعةِ. نسألُ اللهَ لنَا ولهُم الهدايةَ والسلامةَ والعافيةَ. فاعلمُوا أيُّها الأخيارُ أنَّ أعمارَكُم محدودةٌ، وآجالَكُم محتومةٌ، وأرزاقَكُم مكتوبةٌ، ولن ينالَ غيرُنَا شيئًا مِن أرزاقِنَا، فلا تخضعْ لبشرٍ في الرزقِ مهمَا كان، الرزقُ أمرٌ كتبَهُ اللهُ تعالَى وقدرَهُ، قبلَ أنْ يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ، وللهِ درُّ القائلِ:

لا تَخضَعَنَّ لِمَخلوقٍ عَلى طَمَعٍ ****فَإِنَّ ذَلِكَ وَهنٌ مِنكَ في الدينِ

وَاَستَرزِقِ اللَهَ مِمّا في خَزائِنِهِ ****فَإِنَّما الأَمرُ بَينَ الكافِ وَالنونِ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق

ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أعظمِ أسبابِ الرزقِ.

أيُّها السادةُ: إِنَّ البَحْثَ عَنْ لُقْمَةِ العَيْشِ وَكَسْبِ الرِّزْقِ، وَخَاصَّةً في أَيَّامِ الغَلَاءِ يَحْتَاجُ إلى أَخْذٍ بِالأَسْبَابِ المَشْرُوعَةِ، أسبابٌ مَا عَمِلَ أَحَدٌ بِهَا مُوقِنًا بِوَعْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا إِلَّا وَسَّعَ اللَّهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ :مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ لِكَسْبِ وجلب الرِّزْقِ وَزِيَادَتِهِ صِلَةُ الْأَرْحَامِ: وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ بالليل والنهار ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ). فَيَا مَنْ تَشْكُونَ هَمَّ الرِّزْقِ، وَتَسْعَوْنَ فِي زِيَادَةِ أَمْوَالِكُمْ، عَلَيْكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ؛ فَإِنَّ صِلَةَ الْأَرْحَامِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَرَحْمَةٌ يَرْحَمُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الْوَاصِلِينَ، فَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَسَائِرِ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ، فَمَنْ وَصَلَهُمْ وَصَلَهُ اللَّهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَوَسَّعَ لَهُ فِي عَيْشِهِ.

وصلةُ الأرحامِ هي الإحسانُ إلى الأقاربِ على حسبِ حالِ الواصلِ والموصولِ فتارةً تكونُ بالمالِ وتارةً تكونُ بالخدمةِ وتارةً تكونُ بالزيارةِ وتارةً تكونُ بالسلامِ وتارةً تكونُ عن طريقِ التليفونِ وغيرِ ذلك.. وصلةُ الرحمِ واجبةٌ، مَن وصلَهَا وصلَهُ اللهُ، ومَن قطعَهَا قطعَهُ اللهُ . وصِلَةُ الرَّحِمِ لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدرِ، وتيسُّرِ الأمرِ، وسَماحةِ الخُلُق، والمحبَّةِ في قلوبِ الخلقِ، والمودَّةِ في القُربَى، وطِيبِ الحياةِ وبركتِهَا وسعادتِهَا.  وسعةٍ في الرزقِ.

وصلةُ الأرحامِ مِن أعظمِ القرباتِ إلى اللهِ، قالَ ربُّنَا { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ } (سورة  النساء آية 1) قال ابنُ عباسٍ واتقُوا الأرحامَ أنْ تقطعُوهَا، ولكنْ بروهَا وصِلُوهَا، قال عمرُو بنُ دينارٍ (ما مِن خَطْوةٍ بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خَطوةٍ إلى ذي الرّحم) فصلةُ الرحمِ لها فضلٌ عظيمٌ عندَ اللهِ جلَّ وعلا، وكيفَ لا؟ واللهُ تباركَ وتعالى أمرنَا بالإحسانِ إليهِم في كلِّ وقتٍ وحينٍ وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فقالَ جلَّ وعلا{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  } سورة  الإسراء (90)

بل لقـد قرنَ اللهُ الأمرَ بالإحسانِ إلى الأقاربِ والأرحامِ بالأمرِ بتوحـيدهِ وطاعتهِ جلَّ في علاه، فقالَ عـزَّ وجـلَّ (وَاعْـبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْـرِكُوا بِهِ شَـيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْـسَانًا وَبِذِي الْقُـرْبَى ) [النساء/36]. 

بل صلةُ الأرحامِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ مَا لَهُ مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَرَبٌ مَا لَهُ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ) متفق عليه، وفي حديثِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ -رضي اللهُ عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال أوَّلَ مقامٍ بالمدينة: “أيُّها الناسُ: أفشُوا السلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا بالليلِ والناسُ نِيامٌ؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ”. رواه البخاري. فصلةُ الأرحامِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، ياربّ اجعلنَا مِن أهلِ الجنةِ ..ليس هذا فحسب بل صلةُ الأرحامِ علامةٌ مِن علاماتِ الإيمانِ كما قالَ النبيُّ المختارُ ﷺ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)متفق عليه. وكيف لا؟ وصلةُ الأرحامِ تزيدُ العمرَ ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري، وفي لفظٍ لعلىٍّ  رضي اللهُ عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. )

وكيف لا؟ وصلةُ الأرحامِ تعمرُ الديارَ فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ) رواه أحمد.

ليس هذا فحسب بل صلةُ الأرحامِ  سببٌ مِن أسبابِ إرضاءِ اللهِ ومَن رضي اللهُ عنه فقد فازَ بخيرِ الدنيا والآخرةِ .ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } وفي حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) رواه الترمذي.

ليس هذا فحسب، بل صلةُ الأرحامِ تغفرُ الذنوبَ والمعاصي والآثامَ، فعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لَا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا) رواه الترمذي.

لذا كانتْ الصدقةُ على القريبِ أفضلَ مِن الصدقةِ على غيرهِ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) رواه الترمذي، بل كفي بصلةِ الأرحامِ شرفًا وفضلًا أنَّها صفةُ سيدِ الواصلين ورحمةِ اللهِ للعالمين ﷺ فلقد قالتْ له خديجةُ رضي اللهُ عنهَا عندمَا رجعَ إليهَا مِن غارِ حراءٍ يرجفُ فؤادُهُ قالتْ له خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ) متفق عليه).

بل لقد أوصَي الإسلامُ بصلةِ الأرحامِ ولو كانُوا أهلَ قطيعةٍ وأهلَ عداوةٍ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) رواه البخاري، بل هذا رجلٌ جاءَ يشكُوا أقاربَهُ إلى النبيِّ المختارِ ﷺ يحسنُ إليهِم ويسيئونَ إليهِ فماذَا قالَ لهُ النبيُّ المختارُ ﷺ اسمعْ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلى وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ على  فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم، فكمْ مِن أرحامٍ قطعنَاهَا؟ وكمْ مِن أرحامٍ يحسنونَ إلينَا ونحنُ نسيءُ لهم ويصلونَنَا ونقطعُهُم أليسَ كذلك؟ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فصلةُ الرحمِ تُصلُ ولو كانوا كفارًا ، فوجبَ على كلِّ مسلمٍ أنْ يصلَ رحمَهُ وأنْ يحسنَ إليهم ولو بالسلامِ (صلوا أرحامَكُم ولو بالسلامِ ) فيَا عِبَادَ اللهِ، صِلُوا أَرْحَامَكُمْ إِذَا أَرَدْتُمْ سَعَةَ الأَرْزَاقِ، وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ قَطْعِهَا، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ. وقضيةُ الرزقِ أيُّهَا الأخيارُ محسوبةٌ ومحسومةٌ ومكتوبةٌ، لكنْ خُلِقَ الانسانُ مِن عجلٍ، وللهِ درُّ القائلِ:

لا تعجِلنَّ فليس الرزقُ بالعجَلِ ****الرزقُ في اللوحِ مكتوبٌ مع الأجلِ

فلو صبرنَا لكان الرزقُ يطلبنَا ****لكنّهُ خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلِ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكم     

 الخطبةُ الثانيةُ… الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ    

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1) صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق

ثالثــــًا وأخيرًا: عقوبةُ قطعِ الأرحامِ.

  أيُّها السادةُ: أكَّدَ اللهُ جلَّ وعلا على صِلَةِ الأرحامِ وأمرَ بها في مواضِعَ كثيرةٍ مِن كتابهِ العزيزِ وعلى لسانِ حبيبهِ المصطفى ﷺ، فقالَ تعالَى: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) ((الإسراء: 26. وعن أبي ذرٍّ -رضي اللهُ عنه- قالَ: أوصَانِي خليلِي ﷺ بخِصالٍ مِن الخيرِ: أوصَانِي ألَّا أنظُرَ إلى مَن هو فَوقِي وأنْ أنظُرَ إلى مَن هو دُوني، وأوصَانِي بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصَانِي أنْ أصِلَ رَحِمِي وإنْ أدبَرَت، وأوصَانِي ألّا أخافَ في اللهِ لومةَ لائِمٍ))رواه أحمد وابن حبَّان، وروى مسلمٌ عن أبي هريرةَ، قال: لمَا أنزلتْ هذه الآية: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، دعا رسولُ اللهِ ﷺ قريشًا، فاجتمعُوا، فعَمَّ وخَصَّ، فقال: يا بني كعبِ بنِ لؤيٍّ ، يا بني مرةَ بنِ كعبٍ ، يا بني عبدِ شمسٍ ، ويا بني عبدِ منافٍ ، ويا بني هاشمٍ ، ويا بني عبدِ المطلبِ ، أنقذوا أنفُسَكم مِن النارِ ، ويا فاطمةُ أنقذي نفسَكِ مِن النارِ ، إني لا أملكُ لكُم مِن اللهِ شيئًا، غيرَ أنَّ لكُم رحمًا سأبُلُّها ببلالِها (أي: سأصلُها) صحيح مسلم، ومع هذا كلِّهِ فقطيعةُ الأرحامِ مِن الأمورِ التي تفشتْ في المجتمعاتِ المسلمةِ إلّا ما رحمَ اللهُ، وخاصةً في هذا العصرِ، وخاصةً وأنَّ بنيانَ المسلمين قد تصدعَ، وأنَّ أرحامَ  المسلمين قد قطعتْ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. وقطيعةُ الرَّحِم شُؤمٌ في الدنيا ونكَدٌ، وشرٌّ وحرجٌ، وضيقٌ في الصدر، وبُغضٌ في قلوب الخلق، وكراهةٌ في القُربَى، وتعاسةٌ في أمورِ الحياة، وتعرُّضٌ لغضبِ اللهِ وطردِه. لذا شددَ الإسلامُ أشدَّ التشديدِ على كلِّ مَن يقعُ في هذه الجريمةِ الشنعاءِ البشعةِ، فمَن قطعَ رحمَهُ قطعَهُ اللهُ جلَّ وعلا، وقاطعُ الرحمِ مطرودٌ مِن رحمةِ الرحمن، يارب سلم كمَا قالَ جلَّ وعلَا { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) } بل اعلمْ يا مَن تقطعُ الرحمَ انَّك لن  تدخلَ الجنةَ لحديثِ سيدِ الأنامِ ﷺ ( قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ (، صلةُ الأرحامِ يا مسلمون التي قُطعتْ بسببِ المواريثِ بسببِ المواسمِ بسببِ الزواجِ بسببِ الطلاقِ بسببِ الخلافاتِ؟ صلةُ الأرحامِ يا مسلمون تشتكِي حالَهَا إلى الكبيرِ المتعالِ؟  صلةُ الأرحامِ يا مسلمون التي قال اللهُ لها أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ )، واعلمْ يا مَن تقطعُ الرحمَ أنَّ اللهَ يعجلُ لك العقوبةَ في الدنيا مع ما يدخرُهُ لك في الآخرةِ، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تعالى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) رواه أبو داود

بل قاطعُ الرحمِ لا يقبلُ اللهُ منه عملَهُ يومَ القيامةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ) رواه أحمد، سلِّمْ ياربِّ سلّمْ، كمْ مِن أرحامٍ قُطعتْ؟ فمِن الناسِ لا يعرفُ أرحامَهُ ولا أقاربَهُ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ ولا يجوزُ للزوجِ أنْ يمنعَ زوجتَهُ مِن صلةِ رحمِهَا إلّا لعذرٍ شرعيٍّ بأنْ يتغيرَ حالُهَا بالذهابِ إلى أمِهَا، فانتبهْ يا قاطعَ الرحمِ أنت على خطرٍ عظيمٍ أنت على طريقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ، فأيُّ عاقلٍ يريدُ لنفسهِ أنْ يجنِي هذا الحصادَ المرَّ  فانتبهْ ولا تكنْ مِن الغافلين ولا تكنْ مِن الذين لا يعرفون أقاربَهُم إلَّا بعدَ مماتِهِم فكمْ مِن قريبٍ يموتُ جوعًا وله قريبٌ يتقلبُ في النعيمِ ليلًا ونهارًا ,وكم مِن قريبٍ يقعُ في مأزقٍ ويحتاجُ إلى مساعدةٍ وله قريبٌ لا يساعدُهُ ,وكم مِن قريبٍ يريدُ أنْ يبني بيتًا وله قريبٌ يستطعُ أنْ يساعدَهُ ويرفضُ ؟ وكم مِن قريبٍ له بنتٌ يريدُ أنْ يجهزَهَا وله قريبٌ يستطعُ أنْ يساعدَهُ ويرفضُ وينفقون أموالَهُم على شهواتِهِم الحقيرةِ ؟ فأين رحمةُ الإسلامِ يا سادة ؟ أين صلةُ الأرحامِ يا سادة ؟فإياكَ  وقطعَ الأرحامِ، فقطيعةُ الرحمِ  :تؤدِّي إلى العداوةِ المتوارثةِ بين الأجيالِ وتؤدِّي إلى تمزيقِ الشملِ وتفتتِ وحدةِ المجتمعِ وتؤدِّي إلى الحرمانِ مِن المغفرةِ والحرمانِ مِن الجنةِ قال ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: وَلَيْسَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ تَرْكُ الْقَرَابَةِ تَهْلَكُ جُوعًا، وَعَطَشًا، وَعُرْيًا، وَقَرِيبُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مَالًا).

فاتـقوا اللهَ عـبادَ اللهِ: ومَن كان بينَهُ وبينَ رحمٍ لهُ عداوةٌ فليبادِرْ بالصّلةِ ، وليعفُ وليصفحْ ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ))وصـلُوا أرحـامَكُم، وقدمُـوا لهم الخـيرَ ولو جـفوا، وصـلُوهم وإنْ قطـعُوا، يدمُ اللهُ عليكـم بركـاتَهُ، ويـبسـطُ لكـم في أرزاقِكُـم، ويـبارَك لكـم في أعمالِكُـم وأعمارِكُم قال جلَّ وعلا ( وَأُولُـو الْأَرْحَـامِ بَعْـضُـهُمْ أَوْلَى بِبَعْـضٍ فِي كِـتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُـلِّ شَـيْءٍ عَلِـيمٌ)- [الأنفال/75].فاللهَ اللهَ في الأرحامِ، اللهَ اللهَ في صلتِهَا، والحذرَ الحذرَ مِن قطعِهَا فمَن وصلَ رحمَهُ وصلَهُ اللهُ، ومَن قطعَ رحمَهُ قطعَهُ اللهُ، فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ.

حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

                    كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

                                                                 د/ محمد حرز

إمام بوزارة الأوقاف

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »